العلوم الزراعية Agricultural Sciences



العلوم الزراعية بمفهومها الواسع تضم العلوم التي تدرس نشاط الإنسان في المجتمع ومحاولته استخدام الموارد الطبيعية المتوافرة ووضعها تحت تصرفه لإشباع حاجاته المتعددة على نحو مرضٍ ومستدام.

مفهوم آخر : العلوم التي تعدّ المتخصصين في مختلف ميادين الزراعة، وتؤهل طلابها، وتزودهم بسوية عالية من المعرفة في مجال تخصصاتهم على نحو يواكب تقدم العلوم والتقانات الحديثة العالمية.

يقوم أقتصاد الأمم على ثلاث أنشطة رئيسية ألا وهى النشاط الزراعى (الأولوية الأولى )والنشاط الصناعى (الاولوية الثانية )والنشاط التجارى (الأولوية الثالثة )وبالتالى ما يرتبط بقوت الأمم له من الأهمية ما لا ينكره عاقل وكذلك أرتباطه الوثيق بالأنشطة الأخرى .

تعدّ الزراعة أحد أهم الأسس في البنية الاقتصادية للدول، فقد لاقت تطوراً كبيراً سعى الإنسان بها إلى بناء قاعدة اقتصادية متينة أسهمت فيها التقنيات المتطورة في الخدمات الزراعية؛ مما أدى إلى قلب الحياة الزراعية وتطويرها وتخفيض تكاليف الإنتاج وزيادته وتحسينه وتقديم إنتاج أفضل بثمن أقل في مدة أقصر.

ويعدّ الاعتماد على التقنيات ( التكنولوجيات ) الزراعية الحديثة أمراً ضرورياً لتلبية حاجات السكان المتزايدة للغذاء، ولاسيما في بلدان العالم الثالث، كما أدت هذه التقنيات إلى اتساع كوادر مفهوم المهندسين واختصاصاتهم، وإلى زيادة الخبرة الإنتاجية التقنية عند المزارعين وارتفاع مستوى ثقافتهم ووعيهم.

لمحة تاريخية:

يقدر المؤرخون أن الزراعة اكتشفت قبل نحو 10 آلاف سنة ( أي نحو سنة 8000ق.م )، وبعبارة أخرى: لم يكن الإنتاج الزراعي معروفاً قبل هذا التاريخ ؛ إذ كان الإنسان يعيش على ما تُقدم له الطبيعة، فكان يجني الثمار البرية، ويجمع الأوراق والجذور، ويقتنص الحيوانات، ويمارس الصيد من دون أن يزرع الأرض. وحينما اكتشف الإنسان القوة الإنتاجية للبذرة بدأ يمارس زراعة البذور، كما تبين الجداريات الفرعونية القديمة للانسان المصرى القديم قبل 7000 ق.م ، ثم انتشرت منها إلى مناطق أخرى في العالم، وعمت أوربا منذ عام 1500 ق.م، ومن ثم بدأ الإنسان يتدخل لإخضاع الطبيعة وتطويعها لمصلحته، فاستخدم الطاقة الحيوانية في الأعمال الزراعية، وطوّر الأدوات الزراعية المستخدمة بتطبيق النظام الزراعي الذي يجمع بين النبات والحيوان، كما استبدل بنظام تبوير الأرض نظام الدورة الزراعية المناسبة.

ويمكن القول: إنه مع تحسن الآلات وأدوات الزراعة وزيادة حجمها وإنتاجها؛ فقد بقيت الطاقة الحيوانية هي الطاقة الأساسية المستخدمة إلى عهد قريب. وبعد الحرب العالمية الثانية عمّ استخدام الآلات في العمليات الزراعية؛ مما أدى إلى التقليل من استعمال الحيوانات وإلى تخصيصها للإنتاج الحيواني لتوفر مزيداً من اللحوم والدهن والحليب والصوف والبيضوالجلود، كما أدى ذلك إلى تخفيض العمل الشاق المضني وتسهيل القيام بالعمليات الزراعية المختلفة بدقة أكثر وبسرعة أكبر وهذا ما ساعد على التخلص من تلف المحاصيل وفسادها أو قلة إنتاجها.

وفي القرن العشرين حدثت تطورات مهمة منها معرفة العناصر الغذائية الضرورية للنبات والحيوان، وتحليل الترب لمعرفة تركيبها الكيمياوي، وكذلك تصنيع الأسمدة الكيمياوية واستعمالها، واكتشاف المبيدات الحشرية ومبيدات الجراثيم والفطريات والأعشاب واكتشاف منظمات النمو النباتي، وزيادة إنتاج الفواكه والخضر وإنتاج الحليب، وتم اكتشاف النظائر المشعة واستخدامها في مجالات زراعية عديدة ومفيدة جداً في تطوير الزراعة وتنميتها.

كما أجريت تحسينات واسعة على سلالات النباتات والحيوانات حتى صار - مثلاً - قمح اليوم يختلف عن القمحالقديم، وكذلك الذرة الهجينة وغيرها. وفي جميع الحالات تمكنت السلالات الجديدة من النباتات والحيوانات أن تتميز إنتاجياً ونوعياً من السلالات القديمة؛ مما زاد في الثروة القومية ورفع من مستوى حياة المزارع.

أمّا يتعلق بالدور العربي في هذا المجال؛ فقد استطاع العرب أن يحولوا الأندلس إلى جنة خضراء بالعلوم الزراعية في الري والتسميد وإنتاج أنواع وأصناف جديدة من الفواكه والأزهار، ومارسوا الدورة الزراعية بدقة فائقة، وأبدعوا في طرائق تطعيم النباتات واستخدام مبيدات كيمياوية كثيرة كالكبريت والزرنيخ وغيرهما في مكافحة الآفات الزراعية.

حظيت العلوم الزراعية عناية فائقة من قبل علماء الزراعة في الأندلس، فأقيمت البساتين والحدائق التي كانت تعدّ مختبرات تجري فيها التجارب والأبحاث، كما كان العرب يستعينون بأحدث ما ألف من الكتب في علوم الزراعة ، وقد اقتبست أوربا الأسس العلمية للتجارب الزراعية التي توصل إليها العرب في الأندلس، كما كان لأهل الأندلس الدور الأساسي في وضع أسس هندسة الحدائق والبساتين وجمالها وروعتها في غرناطة وإشبيلية وقرطبة وبلنسية والزهراء. وألَّف العلماء العرب في الأندلس كتباً كثيرة على أساس علمي في التنمية الزراعية، منها «الفلاحة الأندلسيـة» لابن العوام الإشبيلي (في القرن السادس الهجري)، وذكر طريقة الري بالتنقيط أول مرّة في التاريخ، والتي نسب اختراعها اليوم إلى العالم الغربي، وكذلك الحدائق النباتية التي لم تظهر في أوربا إلا في القرن 16 الميلادي - ولاسيما في إيطاليا- مقتبسة فكرتها من حدائق الأندلس.

يمكن الاستنتاج مما تقدم أن العلوم الزراعية كانت وافرة عند العرب عبر التاريخ، ولاسيما في العصور الوسطى، وقد تجلت هذه المعرفة الزراعية في العلوم الأولية لدى المزارع العربي، مثل علم المياه وإدارة الأراضي الزراعية وعلم المناخ وعلم التربة والبيئة النباتية وأساليب الري المختلفة والغرس ومكافحة الآفات الزراعية وتسميد المحاصيل المختلفة وغيرها وجميع الأعمال الخاصة بالعناية وطرائق تحسين الزراعة والنبات والقطاف والحصاد.

مجالات العمل والتطبيق:

من بين الأولويات المحددة للعلوم الزراعية تشجيع البحوث العلمية الزراعية والتنمية الزراعية والريفية المستدامة وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتها، وهو ما يعدّ استراتيجية طويلة الأمد لزيادة الإنتاج الغذائي وإرساء الأمن الغذائي مع صون استدامة الموارد الطبيعية وإدارتها في الوقت ذاته. ويظل الهدف المنشود هو تلبية احتياجات الحاضر والمستقبل على حد سواء بترويج تدابير التنمية الزراعية الصالحة بيئياً والملائمة تقنياً والسليمة اقتصادياً والمقبولة اجتماعياً.

وقد برز أثر استخدام التقنيات الحديثة في الدول المتقدمة في تكثيف الزراعة والتوسع في المساحات المزروعة وتنوع المحاصيل؛ مما تطلب الاعتماد على آخر المبتكرات العلمية في المجال الزراعي.

تتصف الزراعة المتقدمة باعتمادها الواضح على علوم الهندسة الزراعية مثل الميكنة الزراعية والأنشاءات الزراعية وكهرباء المزارع وتكنولوجيات الطاقات المتجددة والاستشعار عن بعد وغيرها وكذلك إحداث تغييرات وراثية بعيدة المدى في السلالات النباتية والحيوانية باستخدام التهجين النباتي والحيواني وإدخال الكيمياء في خدمة الزراعة بإنتاج المخصّبات والأسمدة والمبيدات الآفية والعشبية ومنظمات النمو والبذار المحسن وراثياً ووسائل الري الحديثة وتقانات زراعة الأنسجة والهندسة الوراثية والتنوع الحيوي والتصوير الجوي في الجيولوجيا والهيدرولوجيا والجيومورفولوجيا ودراسة المياه السطحية والجوفية باستخدام الحاسوب وغيره من الأجهزة الحديثة، وقد أدت غالبية هذه التقنيات إلى ازدياد الإنتاج الزراعي ورفع سوية الإنتاجية الزراعية للموارد الزراعية ووحدة المساحة والعامل وسوية الوحدة الإنتاجية الحيوانية، كما ارتفعت الغلة ارتفاعاً كبيراً من الهكتار للمحاصيل الزراعية، وكذلك إنتاجية حيوانات اللحم والحليب والدواجن وغيرها.

قد أدت التقنيات الحديثة بشكل كبير إلى تحويل الزراعـــة من صناعة تعتمد اعتماداً كبيراً على العوامل البيئية والبيولوجية، وتتأثر بها إلى صناعة يمكن للإنسان أن يسيطر على كثير من عملياتها؛ مما يمكنه من إخضاعها بدرجة أكبر إلى إرادته.


وبات واضحاً الدور الحيوي الذي يؤديه قطاع الزراعةفي عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى المنطقة العربية، ولعله صار أيضاً من المسلم به أن رفع الإنتاج والإنتاجية الزراعية يعدّ مطلباً أساسياً ومحور ارتكاز لأي تنمية زراعية حقيقية توفر احتياجات أهم عناصر التنمية الشاملة ومقوماتها ومتطلباتها.

هذه الحقيقة تظهرها المعوّقات التي تشير إليها الخبرات والتجارب والدراسات المهمة في مجالات الزراعة. وهي فعلاً كانت - وستبقى إلى أجل ليس بقريب - الشغل الشاغل للمهتمين بقضاياها ولواضعي سياسة للتنمية الزراعية ومخططيها. ويمكن القول: إن تنمية الموارد البشرية تعدّ حجر الزاوية في هذه العملية. فالإنسان هو الأداة والهدف للتنمية، وبطبيعة الحال فإن تطوير التعليم الزراعي ينعكس إيجابياً على تنمية العنصر البشري، ومن أهم المجالات المطروحة عربياً في هذا الإطار والتي أمكن رصدها من المعوّقات والخبرات والتجارب والدراسات السابقة ما يمكن تلخيصها كما يأتي:
  1. كفاية استخدام الموارد الزراعية المتاحة وإدارتها وصيانتها، الأرضية منها والنباتية والمائية والحيوانية
  2. استصلاح أراض جديدة واستزراعها وتعمير الصحراء ومكافحة التصحر.
  3. الترابط والتكامل بين الأجهزة المختلفة ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بمجالات الزراعةوتنميتها.
  4. نقل التقنيات الحديثة إلى مختلف النشاطات الزراعية وتطوير وسائل البحث العلمي وطرق التدريس وأصوله في الكليات الزراعية ومؤسساتها المختلفة وإعداد المؤلفات التعليمية الجامعية المتطورة ودفع عملية التعريب في مختلف مؤسسات التعليم وتوحيد المصطلحات العربية المقابلة للأجنبية.
  5. ترشيد استخدام الطاقة والبحث عن بدائل أقل تكلفة للاستخدامات الزراعية والإسهام في دورات التأهيل والتدريب والتعليم في شتى الميادين الزراعية.
  6. التعديلات الهيكلية في قوانين السياسات الزراعية السعرية والتسويقية والتوزيعية والتنظيمية وغيرها.
  7. تطوير أجهزة الإرشاد والبحوث الزراعية والعمل على تنمية شخصية الطالب العلمية وإنماء وعيه القومي وحبه للعمل.
  8. مكافحة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية.
  9. التنمية الريفية المتكاملة.
  10. تنمية التجارة البينية العربية للمنتجات الزراعية.
  11. فتح أسواق عالمية جديدة للصادرات الزراعية العربية والتوسع بها.
  12. التوطين الزراعي والحد من الهجرة الداخلية.
  13. الاستفادة من طاقات المرأة العاملة في التنمية الريفية.
  14. رفع مستوى دخل المزارع الصغير وكفاية أدائه.
  15. تطوير الأنماط الزراعية وأساليبها وممارساتها والتوجه نحو الزراعة العضوية (الأحيائية).
  16. تعديل الحيازة الزراعية والإدارة المزرعية وأنماطها بما يتناسب مع التنمية الزراعية وتطورها.
  17. رفع الكفاية الإنتاجية للثروة الحيوانية ولقطاع صيد الأسماك والاهتمام بالصحة الحيوانية والقطعان الرحّالة ومناطق البادية وبالتنوع الحيوي في الوطن العربي وغيرها من قضايا التنمية الزراعية.
  18. إجراء دراسات للمشكلات الزراعية التي تعانيها الأقطار العربية.
  19. عقد الندوات العلمية والمؤتمرات العلمية المتخصصة لدراسة قضايا التنمية الزراعية، والتعاون مع مؤسسات البحوث والتمويل الدولية لإنجاز الدراسات العربية وتعرف كفاياتها العلمية وترجمة الكتب العلمية المهمة ونشرها.
  20. الإسهام في تطوير المجالات الزراعية والاهتمام بموضوعاتها وقضاياها وبتبادل الخبرات والمعلومات الزراعية ووضعها في خدمة الوطن العربي.
  21. العمل مع الجامعات والوزارات والجهات العلمية الأخرى العربية للارتقاء بمستوى الاختصاص الزراعي وتوفير الاختصاصات النادرة والإسهام في دعم البحث العلمي لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية في المجالات الزراعية.
  22. إجراء دراسات عن تنسيق التكامل الاقتصادي الزراعي في الوطن العربي وفي توفير الخبرات الزراعية الفنية وفي تخطيط برامج التعليم الزراعي.
  23. وضع المبادئ الأساسية للارتقاء بمهنة الزراعة والعمل على توحيد شروط مزاولتها ورفع شأنها وشأن العاملين فيها وتنسيق تبادل المعلومات والخبرات والبحوث بينهم والتعاون مع المنظمات المهنية والاتحادات والهيئات القومية العربية والدولية الزراعية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المحاريث الحفارة Chisel Plows

آلات ومعدات إعداد وتهيئة الأرض للزراعة Tillage machinery